في العلاقة بين الأدب و الثورة-يونس إمغران
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مساحة للنقاش

في العلاقة بين الأدب و الثورة

  يونس إمغران    

        ** مازال السؤال عالقا حول العلاقة الممكنة أو المحتملة بين الأدب و الثورة ؟ و بين الشعراء و الأدباء و مشروع تغيير الدولة و المجتمع ؟.                     
      إن أي جواب ينتصب للرد على هذه الأسئلة، لا بد له أن يعرج على موضوع الالتزام ليغترف منه، و يحتمي بمبرراته و حججه و تصوراته و فلسفته، و كأن العلاقة بين الأدب و الثورة لا ينسج عقدها إلا عبر إبرة الالتزام، و الالتزام السياسي أساسا.. فهل هذا صحيح ؟.
      و الواقع أن الالتزام في الأدب العربي (شعرا و نثرا ) ظاهرة مستمرة و متفاعلة في مشهدنا الثقافي، خصوصا على مستويات استحضار قضايا الأمة و همومها الأساسية، كالحرية و العدالة الاجتماعية و تداول السلطة و التناوب على تسييرها و تدبير شؤونها العامة و الخاصة، و من ثمة يبقى الأدب المغربي جزء من هذه الظاهرة، يساهم في إذكاء روحها و يحرص على تكثيف صورها بلغة يمتزج فيها الواقعي بالخيالي بالفنطازي.
غير أن الالتزام بمفهومه الاجتماعي حيث مساءلة الذات انطلاقا من ينابيع شعورها الإنساني، و مصادرها الوجدانية القائمة على الحب و التسامح و التعايش و التدافع الإيجابي، هو الذي نكاد لا نلمس تجلياته إلا في بعض النصوص الشعرية و النثرية المغربية، بينما يطغى جانب التضخيم السياسي و شعاراته الإيديولوجية على أكثر الإبداعات الأدبية المتبقية.. و نحن نستغرب كيف لا يتم استغلال طاقات الأدب و إمكانياته التحريضية و الاستفزازية و الوجدانية، في إحداث الفروق و التغييرات المطلوبة على صعيد حياة الفرد و الجماعة داخل المجتمعات العربية، علما أن الشعر ( و هو من أهم أجناس الأدب ) باعتباره طاقة روحية يمنح المرء قدرة هائلة على الفعل، و على التوازن في الالتزام بكل القضايا التي تشغل بال الإنسان العربي عامة و المغربي خاصة.
      قد لا يختلف معنا أحد في أن الأدب المغربي يحمل نفس الجينات الإبداعية التي تميز الأدب في الجزائر و تونس و مصر و السودان و سوريا و اليمن و السعودية و غيرها من أقطارنا العربية.. قد يكون هناك اختلاف في طريقة المعالجة - لهذه الموضوعة أو هذه التيمة - بين هذا القطر و آخر، لكن الروح المؤسسة للنص الأدبي بهمومه و آلامه و أفراحه و قلقه و طموحاته يظل العنصر المشترك بين مكونات الأدب العربي ككل.
      بيد أن الشعر المغربي في مجمله يبقى شعرا مفتوحا على فضاءات الحلم و الخيال و الواقع و التغيير و الثورة، حيث تتفاوت نصوصه بين الجودة في الفكرة و الصورة و التعبير، و بين ضبابية تحتاج إلى قليل من الوضوح، و بين ارتماء مكشوف في أحضان الغرابة و التعقيد و الغموض.. لكن ما يسجل في هذا المقام هو أن شعراءنا المغاربة لا يحسنون إنتاج قصائد ثورية بما تحمله من غضب و احتجاج و تحريض على الخروج إلى الشارع و الأزقة، رغم ما يملكونه من توهج إبداعي، و من قريحة غاضبة فياضة، و من لغة لا تعجز عن التحول إلى فوهة بركان، أو طلقات مسدس، أو جمرة نار.. لكن قد يكون السبب يختبأ في حركة نقدية بطيئة لا تتوفق في ملاحقة الإبداع الشعري بمعاول السؤال و نيرانه، و لا تملك بالمقابل أدوات فنية و منهجية تساعدها على إنجاز المطلوب.
      لقد لعب الشعر عربيا - و مازال يلعب ذلك - أدوارا فاعلة في التغيير و الإصلاح بمجتمعاتنا العربية.. صحيح أنه قد لا يكون تأثيره مباشرا في إحداث التغيير، و لكنه بشكل أو بآخر قد ساهم في نجاح الثورة بتونس مصر و سوريا و اليمن عن طريق نصوص شعرية قوية لأبي القاسم الشابي و عبد الله البردوني و صلاح عبد الصبور و أمل دنقل و أحمد فؤاد نجم و غيرهم كثير..و كذلك نصوص محمد  الماغوط و ممدوح عدوان و أحمد مطر و نزار قباني و حسن الأمراني و محمد علي الرباوي و محمد العمارة و آخرين وقعوا بنصوصهم الثورية و القلقة و التواقة إلى الحرية و العدالة على ولوج عالم عربي آخر، نراه اليوم أكثر انفتاحا و كرامة و تسامحا، و إن كنا نعتقد أن الشعر العربي قد فسح مجالا أوسع لتحقيق التغيير و الإصلاح و الديموقراطية لأجناس أدبية كانت أقدر منه على التأثير و التفاعل كالرواية و القصة القصيرة.
      و عموما فإن الأدب العربي بأجناسه بات اليوم أكثر جرأة في التعبير عن مطالبنا السياسية و تطلعاتنا الاجتماعية.. و أكثر صراحة في الكشف عن الفساد و المفسدين و المستبدين و القتلة.. و نرى أن التحولات الجوهرية التي يتجه إليها وطننا العربي ديموقراطيا و حقوقيا، ستزيد قصيدتنا الشعرية و نصنا النثري قوة كيميائية، و فعالية على صعيد تغيير شكلهما الفني و المضموني.. أي أنه سيصبح نصنا الإبداعي العربي - لا محالة – متمردا و ثائرا، سواء على نمطيته الفنية قبل مرحلة التغيير التي نعيشها اليوم بكامل جوارحنا، او على طبيعة بعض القضايا المجتمعية التي لم نكن نجرأ على مجرد التفكير فيها صمتا أو خلسة.



 
  يونس إمغران (2012-10-17)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

في العلاقة بين الأدب و الثورة-يونس إمغران

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia